“أدب الثوره”

هذه الفترة الحالية التي نمر بها الآن بالذات فترة الأدباء ، نحن بحوجة ماسة لتقيد الثورة لتتوارثها الأجيال ، و هنا لا أعني التقيد بالصور و الفيديوهات و إنما الأقلام و ما تخط ، خطاً أدبيا يجسد الإنفعالات لا مقاليا جافا يشكك و يطاعن بين الجموع ، هذه الثورة هي الأعظم في التاريخ الحديث بلا شك ، و لتلمس عظمتها علينا أن ننظرها بعين الإله من علٍ لا كمجرد بيادق تسير لتكسب اللعبه ، جل الثورات التي عايشتها الكرة الأرضية كانت بسبب الجوع،الدين، العنصريه،الاضطهاد ،القهر…إلخ ، و قامت في إثرها نزاعات طائفية و سياسية بين الأطراف متنازعين لإرتداء زي الوطن ، هنا في السودان لم يكن هناك سبب بارز من تلك الأسباب للخروج ، بل و لنكون صادقين ليس الوطن نفسه سببا في الوحده بين الجموع فهناك نسبة مقدرة سيخرجون منه حالما تتيسر وسائل الخروج و لكن يظلون وفيين صادقين للثوره ، و دعني أفاجئك في هذه اللحظه عزيزي القارئ و أخبرك أن الجنجويد وحدهم من كان لهم كلمة واحدة دون إختلاف طول هذه الثوره ، تعال لأخبرك

إن ما يفوت علينا فعلا أننا نجهل سيكلوجية الجنجويد و نعاملهم كبيادق تقتل و حسب مستنكرين عليهم ذلك بحنق شديد ، و لكن الجنجويد كلهم يتفقون في أمر ضمني في لا وعيهم و لو جهلو به ، أن قيمتهم في الدنيا هي سلب الحياة ، الجنجويد ليست لديهم أي قيمة إيجابيه للحياة البته فهم غير متعلمين و ليست لديهم تصورات لمعنى الحياة، ليست لديهم قيمة للأسرة او الصداقه او الحب ،ليست لديهم فكره عن الوطن او الشرف، ليست لديهم حتى قيمة للبيت ، هذه القيم التي عددناها ليست القيم الكليه التي تخصنا ككل إنما أعني بها قيمهم في ذاتهم ، جنجويد يتنقل طول حياته بلا منزل او أسره و لا يحرك ساكنا إذا مات شريك له في العمليه حتى و لا يأبه بمجريات حياته الخاصه ، شخص كهذا عندما يرى ساحة الإعتصام المفعمه بالحياة سيحس بالحكه و يتحسس زناده ليقوم بسلب تلك الحياة ، الجنجويد لا يقتل لمال او مكانه فهذه أشياء ستأتيه كتبعات إنما يقتل و يغتصب و يهين و يذل لأنه هكذا يحقق قيمة سلب الحياة التي يبغيها في ذاته هو.

سلمية الثوره طول هذه الشهور قد تحيرك في البدء فالشعب السوداني معروف بحرارة القلب و عدم السكوت للظلم ، هنا ستطل القنوات الاعلاميه و سيأتي الرجل الأبيض ليجري دراساته ليتخذ السودان نموذجا في ورشه المستقبليه عن اللا عنف ، ستقيد الصحف مقالات مثيره للجدل ، ستتزين البيانات ب”جماهير شعبنا الأبي” ، هذه السلمية يا صديقي ستثير في الجميع النشوة جاهلين بإطار اللوحة الأعظم ، دعني أخبرك سراً شخصيا ، طول هذه الفتره لم تحيرني السلميه و حسب و إنما حيرني أيضاً الشهداء أنفسهم ، أعني انه لا منطق لكي أتعاطف مع فرد كنت أجهله طول حياتي ثم فجأة بوفاته يصير ذا قيمة عندي ، هنا و بعد فض الاعتصام و ما تلته من أحداث و حتى اللحظه خالجتني فكرة الثوره فصرخت مع نفسي “وجدتها! وجدتها ” ، هذه الثورة يا سادة تجاوزت قيم الثورات و ذهبت لتكون أكبر قيمة وجودية ، هذه الثورة لم تكن صراعا بين شعب و حكومة او مواطنين و سلطه ، و الكيزان لم يكونو هم العدو الرئيسي إنما كانو فقط واجهة العداوة ، هذه الثورة كانت صراعا بين قيمة الحياة و قيمة سلبها ، و السلمية مجرد تعبير طفيف عن أننا ها هنا مسلحون بالحياة بينما الجنجويد يهتز عرشه الزائف عندما يعجز عن الإنتصار لقيمته ، سيناريوهات المليونيات عندما نجحت بخسائر قليلة في النفوس رغم التوتر المسبق لها ما كانت إلا طوفان الحياة الذي أغرق الموت حتى عجز عن أداء مهمته ، و الشهداء أنفسهم لم يتحولو لشعارات تردد او صور ترفع إنما كانو أفراداً عاديين في وسط بحر من الحياة عندما سلبهم القتلة حيواتهم لم يموتوا إنما عبرو بوابة الوجود و انتقلوا من “المواطن المجهول فلان” إلى شهيد حي في كل القلوب ، هذه الثورة لم تحيي الآمال و إنما حولت كل قتل و جريمة ترتكب إلى دافع حياة أكبر ، و بينما كل شهيد منا يزف للملكوت يعرف اسمه و حيه و ذويه كان كل قتيل فرد يموت او يصاب فيهم مجرد كاكي يتمزق و يستبدل بلا ملامح حتى.

انا هنا أريد ان نحتفظ لنا بهذه اللحظات مقيدة لأنه و بعد أجيال و إن جاءت المدنيه كأبهى ما نرغب سنكون فيها في خضم من الوتيرة المتسارعة ، انا اريد لنا أن نوثق هذه الفترة كأمر خاص في تاريخ الوجود ، كلحظات مفعمة بالحياة حلوها ومرها ، كسبع بقرات سمان و سبع عجاف و وتر محايد بينهما ، سنابل انتصرت على سرب الجراد و تراجيديا دنيويه تجعل الملائكة تصفق بعد إسدال الستار عليها لتعلم لماذا جعل الله في الأرض خليفه.

– للكاتب محمد مدثر