موضوع و رسالة العمل الفني؛ ايخدمها؟ام يستخدمها؟


هل يسال الفنان السوداني نفسه عن قيمة عمله الفني؟ المعنوية وليست المادية.

    هل لدى الفنان السوداني فكرة عن سبب انتاجه لعمل الفني؟

    هل يفكر فيما يضيفه لجمهوره؟ ام لما يتخذه موضوعا لعمله الفني؟

يقفز الكثير من الفنانين لاستخدام اياديهم قبل حواسهم وعقولهم، ناسين، متجاهلين او جاهلين بان الفن يبدا تكوينه من حواسنا، و يمر بوعينا كافكار و مشاعر، ثم ينمو من ارواحنا، ومنها ليولد الى ابعادنا الملموسة عبر اجسادنا. وأي عمل فني لا جذور له في تلك الابعاد الذهنية – يسرني ان اسميه دمية مجوفة. هذا ان رقى لمكان جمالي سامي كفاية.

    في حيث انني لا اريد ان اتطرق لمدارس الفن وافكارها فمن يهمه امرها سيقرأ عنها ومن لا يهمه فسنفتح حوارا حرا بعيدا عن الحقب الفنية ونظرياتها، من شاء تبنى افكارها ومن شاء عاش طائرا طليقا.

    عموما، فقد اختلف الناس على قيمة الفن، هل تزيد ام تنقص باحتواء العمل الفني على رسالة، ام تنتفي مطلقا؟

    إذا اعتبرنا الفن لغة؛ مشتركة بين البشر، قد تطور ولكنها لا تتغير او تنمحي بتغير الزمان. كما استعملها القدماء منذ الاف السنين وما زلنا قادرين نوعا ما من قراءتها. فقد نعتبر ان للفن رقعة مهمة في مجلس توثيق وكتابة التاريخ. ومنه تعتبر المسؤولية أكبر على المعنيين بالفن من فنانين ونقاد وجمهور.

    هل يفكر الفنان في الحيز الذي قد ينجح عمله الفني في ان يشغل من صحف التاريخ؟

    ان راقنا بان نتفق على ان الفن للفن أولا، ثم للفنان ثانيا، ثم للجمهور أخيرا – لا يزال الجمهور موجودا في القائمة ولا يمكن تجاهله؛ ولقد قلنا أولا بان الفن للفن أولا؛ إذا اوليس الفن جزءا لا يتجزأ من التاريخ؟ اوليس التاريخ من الجمهور؟

    لماذا اسقاط الضوء على الجمهور؟

    لأنه يبدو وكان عددا من الفنانين يستخف بالجمهور؛ من هم، ما يحتاجون ان يستقبلوه، ما يستطيعون ان يستقبلوه، وما يستطيع الفنان ان ينقل إليهم، كل ذلك عبر فنه.

    الفن قد يمثل أكبر وأوسع قاعدة لكل الأفكار التي يتسع لها الوجود، حتى تلك التي لا تتسع لها اللغات اللفظية، الفن قد يكون لغتها الوحيدة.

    وان تمكن الفنان من نقل تلك أفكار في هيئة جميلة كفاية؛ فانة سينجح بان يجذب الجمهور ليتوقف ويستمع بكل حواسه لتلك اللغة الفنية. وان نجح الفنان بان يعطي تلك اللغة الفنية حقها من بلاغة، فان الجمهور سيستوعب الفكرة الأصل، أدرك ذلك ام لا.

    بدا كل هذا بالكم الهائل من الرسومات التصويرية والتي اتخذت من صورة لام شهيد تبكي وهي تحمل صورة ابنها المتوفي –موضوعا لها. التقطت الصورة خلال الاعتصام امام مباني القيادة، حيث قام المصور بتوثيق لحظة تحمل الكثير من المشاعر والمعاني، والأهم تحمل رسالة.

    لست اجزم ولكن اظن بانه لا يوجد فرد واحد قد يستفيد من رسمة تصورية لصورة التقطت لام شهيد تبكي وهي تحمل صورة ابنها الفقيد. ان عملا كهذا لن يضيف شيئا لا الى ام الشهيد، ولا الى الشهيد، ولا الي انا المتلقي، ولا الى التاريخ. فالمشهد قد تم التقاطه وتوثيقه مسبقا عبر الصورة الفوتوغرافية. فان المصور قد نجح في توثيق المشهد وعبر صورته بتفاصيلها سينقل مشاعر ام الشهيد، والى حد ما قد ينقل رسالة للجمهور والتاريخ فيما بين الجمهور، وقد ينجح في تحفيز غيره لترجمة الرسالة او تقريبها عبر عمل فني جديد؛ موسيقى، شعر، نثر، لوحة تعبيرية. الخ. أيا كان ما بإمكانه خدمة الموضوع او الرسالة. الرسم التصويري في هذا الموضع قد يكون أضعف رد فعل او انعكاس للعمل الفني الموجود أصلا (الصورة الفوتوغرافية). مجرد تغيير ألوان المشهد قد يكون ابلغ بابعاد واسعة مقارنة بتصوير صورة لمشهد مصور أصلا.

    المشكلة ليست في الفن التصويري فهو ضرب من الفنون ولكن المشكلة فتصوير صورة موجودة أصلا كصورة فوتوغرافية، بالإضافة (ومع التشديد على ذلك) على الرسالة والمشاعر التي يحملها المشهد ثم موضوع المشهد كشئ أساسي، مسؤولية الفنان تجاه الساحة الفنية وموضوع العمل هي مسؤولية لا يمكن ولا يصح تجاهلها؛ ماذا يريد الفنان ان يضيف لهذا او ذاك؟ هذا وان لم تكن اضافته سلبية في هكذا حالة.

    هل سال نفسه كيف ستشعر ام الشهيد عند رؤية هذه الرسمة؟

    هل ستشعر عبر ذلك العمل الفني بانه تمت خدمة قضيتها؟ ام بانه تم استخدامها؟

    ما الذي سيشعر به الجمهور؟ وما الغاية من ذلك؟

    وصولا للنقطة الرئيسية، يقع الكثير من الفنانين في الخلط بين خدمة الموضوع او الرسالة، وبين استخدام الموضوع او الرسالة. وفي الخلاصة فان الرسالة هي:

    لابد من ان يكون للعمل الفني قيمة جمالية ومعنوية موجبة؛ هدف، رسالة. ان ينقل، يترجم او يقرب فكرة او إحساس. أن يضيف شيئا جديدا للعالم، في أي من وجوهه المختلفة؛ علوم، جمال، توثيق. الخ.

    إذا كان العمل الفني من المفترض ان يكون ذو طابع معنوي، او يحمل موضوعا او مشهدا ذو رسالة، فمن الاحرى اما ان يكون اول من أوصل الرسالة، او ان يكون قربها او ترجمها الى لغة جديدة (مجازا وليس حرفا).

    استخدام الفنان قضية ذات جمهور واسع للفت الانتباه هو امر مشين أخلاقيا. وان كان بلا وعي فهو امر مشين فنيا.     *رحمة و نور ورضوان من الله باذنه تعالى على الشهداء، و صبر و سلوان منه على اسرهم و احباءهم. والله عنده حسن العزاء


الكاتبة – اسيل البيلي